في الإصحاح السابق جاهد مع الله بصلاته وفي هذا الإصحاح يجاهد مع الإنسان (عيسو) بمحبته وتواضعه، باللطف والهدايا، بإنكار الذات. الأن الهدايا والمحبة والتواضع ليست عن خوف بعد البركة التي نالها، بل عن حب. فالخوف تم علاجه في الصراع مع الملاك. ولقد إنتزع الله منه الإعتداد بالذات والمكر وإنتزع أيضا منه الخوف. ونجد هنا عيسو مع يعقوب إنساناً محباً عطوفاً يبكي حينما رأي أخوه بعد هذا الفراق! فأين الوحشية السابقة؟ حقا إن أرضت الرب طرق إنسان جعل أعداؤه يسالمونه. وحقا فإن قلوب الملوك والناس في يد الله.
الأيات 1-4:
“1 ورفع يعقوب عينيه ونظر واذا عيسو مقبل ومعه اربع مئة رجل فقسم الاولاد على ليئة وعلى راحيل وعلى الجاريتين 2 ووضع الجاريتين واولادهما اولا وليئة واولادها وراءهم وراحيل ويوسف اخيرا 3 واما هو فاجتاز قدامهم وسجد إلى الارض سبع مرات حتى اقترب إلى اخيه 4 فركض عيسو للقائه وعانقه ووقع على عنقه وقبله وبكيا “
لاحظ أنه يضع راحيل المحبوبة وإبنها يوسف في المؤخرة حرصاً عليهم وهو إجتاز أمام الجميع. وسجد في إتضاع. هنا يمثل المسيح الذي يتقدم الموكب محامياً عن عبيده وجسده أي كنيسته. وكون عائلته وراءه فهذا يعطيهم فرصة للهروب إعلاناً عن حمايته لهم وبذله نفسه عنهم. والكتاب المقدس يعلن فضائل عيسو ومحبته وبكاؤه فكما أن الكتاب المقدس لا يخفي عيوب القديسين فهو لا يخفي فضائل الإنسان العالمي. ولكن لنعلم أن كل عطية صالحة هي من فوق من عند الله. فالله هو الذي جعل عيسو هكذا لأجل يعقوب.
أية 8:
“8 فقال ماذا منك كل هذا الجيش الذي صادفته فقال لاجد نعمة في عيني سيدي “
ماذا منك كل هذا الجيش= يقصد الهدايا التي سبقته. ثم حاول عيسو أن يرفض الهدية فله الكثير.
أية 10:
“10 فقال يعقوب لا ان وجدت نعمة في عينيك تاخذ هديتي من يدي لاني رايت وجهك كما يرى وجه الله فرضيت علي “
لأني رأيت وجهك كما يري وجه الله = أي رأيت فيك صورة الله الذي يقابلنا بالحب والعفو فأنت لأنك عفوت عني صرت هكذا. أو رأيت في وجهك محبة وإحسان وعفو هي نتيجة عمل الله معك.
الأيات 12-16:
“12 ثم قال لنرحل ونذهب واذهب انا قدامك 13 فقال له سيدي عالم ان الاولاد رخصة والغنم والبقر التي عندي مرضعة فان استكدوها يوما واحدا ماتت كل الغنم 14 ليجتز سيدي قدام عبده وانا استاق على مهلي في اثر الاملاك التي قدامي وفي اثر الاولاد حتى اجيء إلى سيدي إلى سعير 15 فقال عيسو اترك عندك من القوم الذين معي فقال لماذا دعني اجد نعمة في عيني سيدي 16 فرجع عيسو ذلك اليوم في طريقه إلى سعير ”
نجد هنا يعقوب يرفض أن يسير في الطريق مع عيسو أو أن يبقي عيسو من رجاله معه فهو لا يضمن تصرفاته. وهو لا يحتاج لحماية أحد طالما هو في حماية الله.
الأيات 17-20:
“ 17 واما يعقوب فارتحل إلى سكوت وبنى لنفسه بيتا وصنع لمواشيه مظلات لذلك دعا اسم المكان سكوت 18 ثم اتى يعقوب سالما إلى مدينة شكيم التي في ارض كنعان حين جاء من فدان ارام ونزل امام المدينة 19 وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور ابي شكيم بمئة قسيطة 20 واقام هناك مذبحا ودعاه ايل اله اسرائيل “
سكوت=مظال. ثم أتي إلي شكيم وإشتري هناك حقلاً دفع فيه ثمنا غالياً مئة قسيطة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). والقسيطة =عملة مرتفعة القيمة وعرفنا هذا لأن أصحاب أيوب أعطوه كل واحد هدية قسيطة واحدة (أي 11:42) ويترجمها البعض خروف وقد يكون السبب أن هذه العملة قد رسم عليها خروف. وكان أول ما فعله يعقوب أنه أقام هناك مذبحاً. وهذه الأرض التي إشتراها يعقوب من شكيم هي التي دفن فيها يوسف. وهي ثاني أرض مشتراة بعد المكفيلة. وهذه الأرض بقيت ملكاً ليعقوب حتي بعد إقامته في مصر. ولكن إقامة يعقوب في شكيم وعدم عودته فوراً لبيت أيل أو إلي بئر سبع حيث اسحق سببا له مشكلة دينة. هو خالف أمر الله له في أن يعود لأرض أبائه (3:31) لذلك حدثت المشكلة بل المشاكل.