الضربات العشر كانت وسائل إنذار لفرعون ومقدمة لضربة كبيرة مهلكة هي غرق جيش فرعون في البحر. بل كانت متدرجة في عنفها ولنلاحظ:-
1. الله دائماً يستخدم مع الخاطئ المصر على عدم التوبة ضربات خفيفة (مرض بسيط مثلاً) كإنذار فإن لم يتب يعقب هذا مرض أشد وهكذا حتى يتوب وهذا ما حدث مع فرعون فنجد أن الضربات الأولى بسيطة أعقبتها ضربات أشد حتى وصلت الضربة المؤلمة وهي موت الأبكار. ولما لم يفهم فرعون مع كل هذا هلك جيشه في البحر (رؤ20:9،21). وهذا العناد والإصرار على عدم التوبة هو ما أسماه سفر الرؤيا خطية مصر (رؤ8:11).
2. الضربات كلها كانت من الله ولم يفعل بني إسرائيل شيئاً فالله هو الذي يدافع عن شعبه.
3. من رحمة الله كانت هناك إنذارات قبل أن تأتي الضربات، بل كان هناك إرشادات من الله كيف يتقوا الضربة مثلما حدث في ضربة الَبرَدْ إذ أعطاهم الله فرصة لحماية مواشيهم.
4. نجد في الضربات أنها تظهر ضعف الآلهة المصرية الوثنية وتظهر عظمة الله وهذا ليفهم المصريين تفاهة آلهتهم ويفهم اليهود قوة الله الذي يعبدونه (هي مدرسة للإيمان).
5. نلاحظ أسلوب فرعون التفاوض فمرة يرفض ومرة يستخدم السحرة لإثبات قوة آلهته ومرة يوافق على سفر الرجال فقط ونلاحظ أن موسى كان رافضاً التفاوض تماماً، بل نخرج كلنا وكل مالنا. لذلك أولاد الله لا يتفاوضوا مع الخطية بل يتركوها تماماً.
6. كان موسى في معظم الضربات يمد يده للسماء ليعرفوا مصدر الضربات. وهذه الضربات أثبتت صدق إرسالية موسى وهرون.
7. هناك سؤال لماذا سمح الله للسحرة أن يقلدوا عمله في بعض الأحيان؟
أ. أولاً هم قلدوه في بعض الأحيان وليس في كل الأحيان.
ب. كان يظهر دائماً أن قوة الله تسود قوة السحرة. فمثلاً حين حول موسى الماء إلى دم صنع السحرة مثله لكنهم لم يستطيعوا تحويل الدم إلى ماء. هم اظهروا كل ما عندهم لكن قوة الله غلبتهم. فلا يخدع الشعب في المستقبل إذا رأوا أعمال عجيبة فهم عرفوا أن الله أٌقوى وأن إلههم له سلطان مطلق. بالإضافة لإرشاد فرعون والمصريين بتفاهة الأوثان.
8. نسمع في (أِش25:19) مبارك شعبي مصر، فكيف يضرب الله مصر ويباركها في نفس الوقت. هذا يفسره قول بولس الرسول "من يحبه الرب يؤدبه" (عب6:12) فضربات مصر العشر كانت لتأديبها وكسر كبريائها فتستعد لدخول المسيح لها ليباركها حين هرب من هيرودس، أما ضربات الله ضد بابل وأشور بل وإسرائيل كانت كلها ضربات إفناء، فضربات مصر تتميز عن باقي الأمم بالتالي:
أ. هي ضربات بسيطة ومحتملة (ضفادع وناموس..).
ب. ليس فيها إبادة.
ج. فيها تعليم بفساد عقائدهم الوثنية وتعليمهم أن يهوه هو سيد السماء والأرض (16:9).
د. فيها إرشاد حتى تكون الضربات محتملة، فمثلاً في ضربة البرد يرشدهم الله ليخبئوا حيواناتهم (19:9).
ه. فيها رمز لهزيمة إبليس بيد المسيح كما هزم موسى فرعون مصر.
آنية الهوان وآنية الكرامة:
قارن مع (رو9) فآنية الهوان هنا هي فرعون وآنية الكرامة هو موسى. ولنلاحظ أن الله له خطط ينفذها لخلاص البشر، فالله يريد خلاص مصر وخلاص اليهود، وهذا بأن يؤمن الكل به. والله له أدوات يستخدمها حتى ينفذ خطته، ومن هذه الأدوات نوعين [1] أشرار كفرعون [2] أبرار كموسى. ومن خلال عناد فرعون وقداسة موسى يظهر عمل يهوه العظيم ليؤمن الكل به. ولنلاحظ أن الله لا يقسي قلب فرعون (3:7) بمعنى أنه كان قديساً ولكن الله جعله قاسياً، بل أن فرعون كان قلبه قاسياً، ومعانداً، والله تركه على ما هو عليه، واستغل قسوته ليظهر مجده ولينفذ خطته. وموسى كان قديساً والله استغل قداسته ليظهر مجده ولينفذ خطته، فالله احتمل فرعون كآنية هوان لفترة ما ليظهر مجده، والله سُرَّ بأن يعلن مجده أيضاً من خلال طاعة موسى وقداسة موسى.
آية (1): "فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون وهرون أخوك يكون نبيك."
جعلتك إلهاً لفرعون= أي جعلتك سيداً عليه، فلا تخافه ولا ترهب قسوة قلبه. وعلى المؤمن ألا يخاف إبليس بل يؤمن بقوة الله الذي فيه أنه قادر أن يهزم إبليس. ولاحظ أن الإنسان قد يقال له أنه إله.. لكن يكون هناك مضاف "إلهاً لفرعون. تكون له إلهاً كما قيلت لموسى بالنسبة لهارون. ولكن الله هو إله مطلق ولا يضاف له شيء فهو إله الجميع وهذه التسمية من تواضع الله، ولكي يطمئن موسى فهذا رد على أن موسى "أغلف الشفتين". هرون يكون نبيك = النبي هو من يتكلم بما يقوله له الله. فهنا الله يقول لموسى وموسى يقول لهرون وهرون يكلم الشعب. وهذا هو ما شُرِحَ في الآية التالية.
آية (4): "ولا يسمع لكما فرعون حتى اجعل يدي على مصر فاخرج أجنادي شعبي بني إسرائيل من ارض مصر بأحكام عظيمة."
أجنادي= فالله هو رب الصباؤوت أي رب الجنود (سواء السمائيين أو الأرضيين)
آية (9): "إذا كلمكما فرعون قائلاً هاتيا عجيبة تقول لهرون خذ عصاك واطرحها أمام فرعون فتصير ثعباناً."
هاتيا عجيبة= يبدو أن فرعون سمع ما فعله موسى أمام الشعب وهو كان يسأل لا ليؤمن لكي ليثبت لهم أن سحرة المصريين أكثر قدرة.
آية (11): "فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك."
ذكر بولس الرسول اسمى الساحرين في (2تي8:3) ينيس ويمبريس. وبالطبع فالتقليد اليهودي هو ما احتفظ بالأسماء. وهم قاوموا موسى ليس بالرعب والتهديد بل بحرب خطيرة هي حرب التمويه. وإن أخطر حرب ضد الكنيسة هي التي تأتي ممن يرتدي ثياب الخدام لكنهم يشوهوا العقيدة وبذلك يقسموا جسد المسيح. فهؤلاء حاولوا أن يمحوا أثر أعمال موسى ولنتتبع الآن طرق إبليس في حروبه ضد شعب الله.
1. يستخدم فرعون ليذل الشعب في عبودية مرة وسخرة وبغلظة، لكنه يعطيهم قدور لحم وأكل كثير (يعطيهم شهواتهم لكنهم مذلولين في عبودية).
2. حرب تمويه لقلب الحقائق باستخدام الخداع، وهذا ما فعله الساحرين.
3. في حالة إصرار الشعب على الخروج تبدأ المفاوضات (يخرج جزء ويبقى جزء) هذا يماثل من يدخن مثلاً ويريد الإقلاع فيقول لك أدخن علبة واحدة بدلاً من علبتين وبالتأكيد فبعد أسبوع سيعود إلى ما كان عليه إن لم يكن أكثر.
4. بعد الخروج تكون الحرب بذكريات لذة الخطية "أين قدور اللحم" هذه الحروب والخدع سيقوم بها ضد المسيح في الأيام الأخيرة.
آية (12): "طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين ولكن عصا هرون ابتلعت عصيهم."
الحية تشير عند المصريين للقوتين الإلهية والملوكية وكان ملوك مصر يضعون حية على تيجانهم. وكون أن حية موسى أكلت باقي الحيات فهذا رمز لتسلط الله على ألهتهم وحية موسى هي حية حقيقية، وهي معجزة ظهرت فيها قوة الله، لكن حيات السحرة ما هي إلا خداعات وأوهام من الشياطين (فالشيطان قادر أن يظهر نفسه على هيئة ملاك نور لكي يخدع البسطاء 2كو14:11) ولذلك فقد اختفت حيات السحرة أمام حية موسى فكيف يقف الوهم أمام قوة الله الحقيقية.
والعصا سميت عصا الله وعصا موسى وعصا هرون. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فهي عصا الله لأنها تشير للصليب الذي به كان الخلاص وهي تشير لقوة الله وسلطانه على كل الخليقة. وهي عصا موسى لأنها تشير لقوة كلمة الله والوصية وهي عصا هرون الكاهن فهي تشير لقوة عمل الذبيحة والعبادة.
ملحوظة: الضربات عشر لأنها موجهة لمن يخالف الوصايا العشر. فهناك ضربات لمن يخالف وصايا الله.
الضربة الأولى: تحويل الماء إلى دم
الآيات (14-25): "ثم قال الرب لموسى قلب فرعون غليظ قد آبى أن يطلق الشعب. اذهب إلى فرعون في الصباح انه يخرج إلى الماء وقف للقائه على حافة النهر والعصا التي تحولت حية تأخذها في يدك. وتقول له الرب اله العبرانيين أرسلني إليك قائلاً أطلق شعبي ليعبدوني في البرية وهوذا حتى الآن لم تسمع. هكذا يقول الرب بهذا تعرف أني أنا الرب ها أنا اضرب بالعصا التي في يدي على الماء الذي في النهر فيتحول دماً. ويموت السمك الذي في النهر وينتن النهر فيعاف المصريون أن يشربوا ماء من النهر. ثم قال الرب لموسى قل لهرون خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين على أنهارهم وعلى سواقيهم وعلى أجامهم وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دما فيكون دم في كل ارض مصر في الأخشاب وفي الأحجار. ففعل هكذا موسى وهرون كما أمر الرب رفع العصا وضرب الماء الذي في النهر أمام عيني فرعون وأمام عيون عبيده فتحول كل الماء الذي في النهر دماً. ومات السمك الذي في النهر وانتن النهر فلم يقدر المصريون أن يشربوا ماء من النهر وكان الدم في كل ارض مصر. وفعل عرافو مصر كذلك بسحرهم فاشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب. ثم انصرف فرعون ودخل بيته ولم يوجه قلبه إلى هذا أيضاً. وحفر جميع المصريين حوالي النهر لأجل ماء ليشربوا لأنهم لم يقدروا أن يشربوا من ماء النهر. ولما كملت سبعة أيام بعدما ضرب الرب النهر."
1. المصريين يعبدون النيل. وهذه الضربة إذاً موجهة لمعبودهم الذي يقدمون له الضحايا فقد كانوا يضحون بعروس النيل وبأبكار اليهود ليرضوا معبودهم النيل فيفيض، وهذه الضربة تكشف ضعف إلههم النيل (خر12:12) بل رأوه دنساً فالدم يعتبر دنس. بل هذا يعتبر عقوبة على قتل الأبرياء في النيل (عروس النيل والأبكار) (أية 18 ينتن النهر= دنس)
2. هذه الضربة تظهر أن مصدر خيراتهم وهو النيل تحول إلى دم بسبب خطاياهم (الخطية= موت)
3. كما بدأت الضربات بالدم لإظهار أن الخطية عقوبتها موت أنتهت الضربات بالدم (خروف الفصح) ليظهر أن بالدم كان إنقاذ الشعب وخلاصهم فالفداء يعني دم عوض دم.
4. أول ضربات موسى كانت تحويل الماء إلى دم (الماء= حياة والدم = موت) فالناموس يحكم بالموت على الخاطئ. وأول معجزات المسيح تحويل الماء إلى خمر والخمر يشير للفرح.
5. يبدو أن هذه الضربة كانت للمصريين فقط وأن العبرانيين حين كانوا يأخذون ليشربوا يجدونه ماء!! لاحظ قوله فلم يقدر المصريين أن يشربوا ماءً من النهر (21) وحفر جميع المصريين حوالي النهر (آية24)= أي حفروا أباراً ليشربوا ماء منها. ولم يقال هذا عن العبرانيين وقد قيل صراحة ابتداء من الضربة الثالثة أنها كانت موجهة ضد المصريين فقط.
آية (19) أنهارهم= أي النيل وفروعه. وسواقيهم= الترع والمساقي. أجامهم= المستنقعات التي تنمو حولها الأشجار والنباتات. الأخشاب والأحجار= الأواني التي يحفظون فيها الماء حتى يصفى من العوالق التي به.
آية (15) اشترط الله على موسى أن يأخذ العصا معه فلا إمكانية للغلبة سوى بالصليب.
آية (22) لاحظ أن العرافون استطاعوا تحويل الماء إلى دم بقوة سحرية شيطانية وبسماح من الله. لكنهم لم يستطيعوا أن يعيدوا النيل إلى حاله ثانية.